قبل نحو 3800 عام، وسّع الملك البابلي حمورابي نفوذه في بلاد ما بين النهرين، أي الأرض المحصورة بين دجلة والفرات والتي تغطي اليوم العراق وأجزاء من الكويت وتركيا وسوريا. يشتهر بمسلة شريعة حمورابي التي حُفرت عليها 282 فقرة قانونية بالخط المسماري، وعثر عليها جاك دي مورغان سنة 1901، وهي الآن في متحف اللوفر.
تُعتبر شريعة حمورابي علامة على أول نظام قانوني مكتوب، وضع لحل الخلافات وضبط شؤون الحياة اليومية، وأثّر في صياغة قوانين حضارات لاحقة، منها الحضارة الأمريكية. تقول كيلي آن دايموند، أستاذة في جامعة فيلانوفا، إنها سجل دقيق لقواعد الدولة البابلية. تضمنت الشريعة مبادئ لا تزال معمولاً بها، أبرزها: «براءة المتهم حتى تثبت إدانته»، إذ تطلب جمع أدلة ثابتة لإثبات الجريمة.
قراءة مقترحة
رغم وجود عقوبات قاسية، مثل قتل بائع المسروقات، فإن الشريعة احتوت فقرات تُظهر اهتماماً بالفئات الضعيفة، منها إلزام الزوج السابق بدفع نفقة مطلقته، ما يكشف بعداً اجتماعياً مبكراً في التشريع.
يلاحظ المؤرخون أن القوانين لم تغطِ كل الحالات، كما لم تُسجَّل محاكمة واحدة استندت إلى نصوص الشريعة، ما يدل على أنها كانت جزئياً أداة رمزية لإبراز صورة حمورابي ملكاً عادلاً يأخذ سلطته من الإله. صدرت الشريعة في السنوات الأخيرة من حكمه الذي استمر 43 عاماً، ما يعزز انطباع رغبته في ترك أثر خالد.
تميّزت قوانين حمورابي بالتفصيل مقارنة بقوانين أقدم مثل قانون أور ناما. عكست الشريعة مجتمعاً متنوعاً وضع قواعده ليواكب أوضاعاً معقدة. وعلى الرغم من عدم شموليتها، أصبحت الشريعة رمز عدالة تسعى إلى الإنصاف والمساواة، وتؤكد على نظام يعتمد على الشهود والأدلة والقسم، وهي الأسس التي انطلقت منها عدالة العصور اللاحقة.

