كانت زرقاء اليمامة من قبيلة جديس تُعرف بقوة بصرها. يُروى أنها كانت ترى الإنسان على مسافة يوم وليلة، أو ثلاثة أيام. سُميت بهذا الاسم بسبب زرقة عينيها، وكانت تقيم في منطقة اليمامة. تُعد من أبرز الشخصيات في التراث العربي، وارتبط اسمها بالحكمة وبُعد النظر.
استعان بها قومها لتحذيرهم من الغزو.
كانت تصعد إلى مكان مرتفع لتراقب تحركات الأعداء، وساعدت قبيلتها على الانتصار. لكن يومًا حمل مصيبة كبيرة، حين خطط وزير يُدعى رياح بن مرة، تابع للملك حسان، لخداعها. نصح رجاله بالاختباء خلف الأشجار والاقتراب من المدينة ليلاً، محذرًا من قدرتها على الرؤية في الظلام.
نُفذت الخطة. رأت زرقاء الجيش المختفي وأخبرت قومها: "يا آل جديس، لقد سارت إليكم الأشجار، وأتتكم أوائل خيل حمير." لم يصدقوها، وسخروا من كلامها. هجم الأعداء واحتلوا المدينة، وقُتل أهل القبيلة. أُخذت زرقاء أسيرة، وسألها الملك كيف رأتهم، فقالت: "رأيت الشجر خلفه بشر." أمر بقلع عينيها وصلبها على باب المدينة، وصارت جديس تعرف اليوم باليمامة.
أثارت قصتها نقاشًا حول مدى صحة قدرتها البصرية. العين البشرية لا ترى أكثر من خمسة كيلومترات تقريبًا، إلا من أماكن مرتفعة، ومع انحناء الأرض تقل الرؤية لمسافات أبعد. يشكك بعضهم في أن زرقاء رأت كل ذلك بعينها فقط، ويظنون أنها ربما حصلت على المعلومات من مسافرين أو جواسيس.
قصة زرقاء اليمامة تُظهر أن البصيرة أهم من البصر. رغم تحذيرها، تجاهلها قومها فكان الهلاك نتيجة. تؤكد القصة أهمية التأمل والتحليل قبل اتخاذ القرار، وعدم التسرع في رفض الرأي أو الاستهانة بالنصيحة، حتى لو بدت غير مألوفة.
بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين، مدينة حية تختلط فيها المباني القديمة بالحياة اليومية. تقف على شاطئ نهر لا بلاتا، وتُعد من أشهر الأماكن التي يزورها السياح في أمريكا اللاتينية بسبب بيوتها الاستعمارية، فعالياتها الفنية، والجو الذي يأسر الناس.
بنى الإسبان أول قرية هناك سنة 1536، ثم أعادوا بناءها سنة 1580، فأصبحت
مركزاً للتجارة والحكم. شاركت بقوة في حرب الاستقلال، وازدهرت في عهد خوان بيرون. مرّت بانهيارات مالية، لكنها استعادت لمعانها ولم تفقد طابعها الخاص.
تنتشر صالات العرض والمسرح في كل اتجاه. مسرح كولون يُعد من أعرق دور الأوبرا في العالم، والتانغو يصدح ليلاً فيعكس هوية المدينة. تقام احتفالات سنوية أبرزها مهرجان التانغو العالمي، ويعزف الجاز والفولكلور في الشوارع والبارات.
تُعرض اللوحات والتماثيل في متاحف مثل MALBA ومتحف الفنون الجميلة، ويرسم فنانو المدينة جداريات جديدة كل صيف. تستقبل السياح كاسا روسادا، ساحة مايو، وكاتدرائية متروبوليتان التي تحتوي على رفات الجنرال سان مارتين.
حي بويرتو ماديرو يتجه نحو النهر بأبراج زجاجية، بينما يحتفظ سان تيلمن بالبيوت الحجرية القديمة. بليرمو يمتد بحدائقه الواسعة وملاهيه الليلية، وزخارفه الملونة تغطي الجدران القديمة.
يشتهر المطبخ المحلي بالإمبانادا، الميلانيسا، والأسادو. يقدمها مطاعم عريقة مثل "دون خوليو" و"لا بريغادا"، حيث يشوي الطهاة اللحم على الفحم حتى الساعة المتأخرة.
تبدأ رحلة التسوق في سوق سان تيلمو الأسبوعي وتنتهي في مول "غاليرياس باسيفيكو". تباع الجلود الطبيعية، الفضة اليدوية، والحرف التي يصنعها صناع محليون.
تفتح الحدائق أبوابها من الفجر حتى الغسق، مثل حديقة باليرمو الكبيرة ومحمية تيغري الطبيعية. يؤجر قوارب صغيرة في دلتا تيغري، ويمشي الناس على الممرات الخشبية بين القنوات.
تتوفر غرف الفنادق الفاخرة، غرف الضيافة الصغيرة، والشقق المفروشة. يتحرك الزائر بمترو الأنفاق، الحافلات، التاكسي، أو دراجة هوائية على المسارات المخصصة.
بوينس آيرس ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل لقاء متكرر مع الجمال، القصص، والابتسامات التي يمنحها السكان لكل من يخطو في شوارعهم.
دلهي اليوم مدينة حية تجمع الحداثة والتاريخ. تضم خطوط مترو حديثة وبنايات جديدة، وتحتفظ في الوقت ذاته بتاريخها القديم كواحدة من أقدم المدن المأهولة. تقدم العاصمة الهندية أنشطة متنوعة، من معالم أثرية مشهورة إلى شوارع مليئة بالفن والثقافة والأطعمة.
زيارة القلعة الحمراء تتصدر برامج السياح في دلهي. بناها شاه جهان
سنة 1648 وكانت ساحة قتال في أول ثورة على الإنجليز. أضررتها القوات البريطانية، ثم حولوا ثكناتها إلى متاحف. بجانبها تقع تشاندني تشوك، معروفة بأطعمة الشارع مثل دهي بهالي وتشولي بهاتور، وسوق التوابل الملون.
في مستعمرة لودهي، تحولت الجدران القديمة إلى لوحات جدارية ضخمة رسمها أكثر من خمسين فناناً عالمياً ضمن مشروع St+art India الذي يستلهم التراث الهندي.
لمن يريد تجربة غير مألوفة، يوجد معبد جانديوالان هانومان، يحتوي تمثالاً عملاقاً بطول 112 قدماً ومدخلاً على شكل فم شيطان يؤدي إلى كهف فيه منحوتات دينية ضخمة.
التسوق يتركز في شارع بابا كاراك سينغ مارغ، حيث أسواق حكومية تعرض حرفاً يدوية من كل ولايات الهند. بقربه يقع سنترال كوتيج إندستريز إمبوريم ومرصد جانتار مانتر ذو التصميم المعماري الغريب.
علم التنجيم الفيدي جزء من حياة دلهي. تجد منجّمين محترفين في جنوب المدينة، تختلف أجورهم حسب شهرتهم وخبرتهم.
قبر همايون، المدرج على قائمة التراث العالمي، هو النموذج المعماري الذي سبق تاج محل. بجانبه ضريح نظام الدين وحديقة حضانة سوندر التراثية.
من المعالم الجديدة، معبد أكشاردام، مجمع ديني وترفيهي يروي عشرة آلاف عام من التاريخ الهندي عبر عروض بصرية، وزينته نحوت معقدة تحمل آلاف التماثيل.
أخيراً، زُر قطب منار، أبرز معالم دلهي، بداية العهد الإسلامي في المدينة، وفيها أول مسجد بُني في الهند. بجانبه منتزه مهراولي الأثري الذي يحوي عشرات المواقع التاريخية.
