التبوريدة - المعروفة أيضًا باسم فانتازيا - هي عرض فروسية مغربي تقليدي يمزج بين التاريخ العسكري والفخر القبلي والاستعراضات الاحتفالية. تعود جذورها إلى القرن الخامس عشر، عندما كانت تُستخدم كشكل من أشكال التدريب العسكري لوحدات سلاح الفرسان في القبائل البربرية والعربية. كلمة "تبوريدة" مشتقة من كلمة بارود العربية، والتي تعني البارود، في إشارة إلى التحية الدرامية بالبندقية التي تُختتم كل عرض. لم تكن التبوريدة تاريخيا مجرد ترفيه، بل كانت تمرينًا استراتيجيًا. كان المحاربون يتدربون على الرمي المتزامن وإطلاق البنادق استعدادًا للمعركة. لم تختبر هذه العروض مهارة الفرسان في ركوب الخيل فحسب، بل اختبرت أيضًا انضباطهم ودقتهم في التوقيت وقدرتهم على العمل كوحدة متماسكة. ومع مرور الوقت، ومع انتقال المغرب من الحروب القبلية إلى الحكم المركزي، تطورت التبوريدة إلى تقليد احتفالي يُمارس خلال المهرجانات الدينية (المواسم) وحفلات الزفاف والأعياد الوطنية. تتأصل هذه الممارسة بعمق في الهوية الريفية والقبلية للمغرب. فقد طورت كل منطقة أسلوبها وزيها وطقوسها الخاصة، مما يعكس تنوع المشهد الثقافي للبلاد. في عام 2021 اعترفت اليونسكو بالتبوريدة كجزء من التراث الثقافي غير المادي للبشرية، مؤكدةً أهميتها وضمانًا للحفاظ عليها للأجيال القادمة.
قراءة مقترحة
عرض التبوريدة هو حدث مُصمم بدقة متناهية، يتكشف على ثلاث مراحل درامية. يُقام هذا العرض بقيادة السربا وهي فرقة من 15 إلى 25 فارسًا بقيادة قائد وهو المقدم يرتدي كل فارس الزي المغربي التقليدي: جلباب أبيض فضفاض، وعمامة، وحذاء جلدي. ويحملون بنادق عتيقة محملة بالفوهة، وأحيانًا سيفًا أو مصحفًا، يرمز إلى البراعة القتالية والثبات الروحي. تُعدّ الخيول جوهر العرض وهي ، عادةً من سلالة البرب أو سلالة عربية-برب مهجنة و تشتهر هذه السلالات بسرعتها وقدرتها على التحمل واستجابتها السريعة، وهي صفات أساسية للعدو السريع والتوقف المفاجئ اللذين يُميّزان التبوريدة. تُزيّن الخيول بسروج مطرزة بإتقان، وألجمة مرصعة بالفضة، وشرابات ملونة، مما يجعلها أعمالًا فنية حية. ويتألف العرض من ثلاث مراحل رئيسية:
1. العرض (الحضرة): تدخل السربا الساحة في موكب بطيء مهيب. يعرض الفرسان أزياءهم وخيولهم، مصحوبين غالبًا بالموسيقى والأناشيد التقليدية. تُهيئ هذه المرحلة الجو العام وتُثير الترقب.
2. الاندفاع (التبوريدة): عند إشارة المقدم، ينطلق الفرسان في عدو سريع، محافظين على خط مستقيم. يكمن التحدي في التزامن المثالي، فأي انحراف قد يُعطل التشكيل ويُكلف نقاطًا في المنافسة.
3. تحية البارود: مع وصول الفرسان إلى نهاية الميدان، ينهضون على سروجهم ويطلقون النار من بنادقهم في انسجام تام. والهدف هو إحداث انفجار واحد مدوٍّ. يجب أن يكون التوقيت مثاليًا، حيث يُقيّم الحكام دقة الطلقة، ومحاذاة الخيول، وتحكم الفرسان.
لا يقتصر هذا العرض على القوة أو الصخب، بل هو تعبير طقسي عن الوحدة والانضباط وفخر الأجداد. يستجيب الجمهور، الذي غالبًا ما يجلس في الخيام أو المدرجات، بالهتاف والزغاريد والتصفيق، محولًا الحدث إلى احتفال جماعي.
تطورت التبوريدة من تقليد إقليمي إلى رياضة وطنية منظمة، بدعم من الاتحاد الملكي المغربي للفروسية (FRMSE). يشرف الاتحاد على برامج التدريب والمسابقات ومبادرات الحفاظ لضمان بقاء هذا التقليد نابضًا بالحياة وسهل المنال. وفيما يلي بعض الإحصائيات الرئيسية التي توضح نطاق التبوريدة وتطورها:
- السرباس المسجل: يوجد في المغرب حاليًا أكثر من 300 سرباس مسجل رسميًا، يمثل كل منهم قبيلة أو منطقة أو سلالة عائلية محددة.
- الفعاليات السنوية: يُقام أكثر من 120 عرضًا للتبوريدة سنويًا في جميع أنحاء البلاد، مع مهرجانات كبرى في مدن مثل الجديدة ومكناس ومراكش.
- سلالات الخيول: يُمثل حصان البرب ما يقرب من 70% من خيول التبوريدة، تليها الخيول المهجنة العربية البرب. تُفضل هذه السلالات لسرعتها الفائقة وهدوء مزاجها.
- إدماج الجنسين: على الرغم من أن التبوريدة كانت تقليديًا حكرًا على الذكور، إلا أنها شهدت زيادة في مشاركة الإناث، وخاصة في المناطق الحضرية. ظهرت السربا بقيادة النساء في الرباط والدار البيضاء وفاس، متحديةً الأعراف الجندرية وموسعةً نطاق هذا التقليد.
- مراكز التدريب: أنشأ المغرب أكثر من 40 مدرسة ومركز تدريب للفروسية، يقدم العديد منها برامج متخصصة في التبوريدة للشباب.
- البطولة الوطنية: تنظم FRMSE بطولة سنوية لرياضة التبوريدا، حيث يتنافس أفضل الفرسان على نيل التقدير الوطني. يُبث الحدث على التلفزيون المغربي ويجذب آلاف المشاهدين.
ولا تعكس هذه الأرقام شعبية هذا التقليد فحسب، بل تعكس أيضًا الدعم المؤسسي الذي يحظى به. وقد استثمرت الجهات الراعية الحكومية والخاصة في البنية التحتية، وتربية الخيول، وتطوير الفرسان، مما يضمن استمرار ازدهار رياضة التبوريدا في القرن الحادي والعشرين.
إن التبوريدا أكثر من مجرد عرض، إنها رمز حي للهوية المغربية، والصمود، والتعبير الفني. إنها بمثابة جسر بين الماضي والحاضر، والريف والحضر، والتقاليد والابتكار. إذ يعزز هذا التقليد الروابط بين الأجيال، حيث ينقل كبار السن المعرفة والتقنيات والقصص إلى الفرسان الأصغر سنًا. كما أنه يعزز الروابط المجتمعية، حيث تتجمع قرى بأكملها خلف سرباها خلال المهرجانات والمسابقات. إن عملية التحضير - من تدريب الخيول، وتصميم الأزياء، وتدريب التشكيلات - بحد ذاتها مسعى جماعي يعزز التماسك الاجتماعي. ويمتد التأثير الثقافي للتبوريدة إلى ما وراء حدود المغرب. وقد أثار إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي اهتمامًا دوليًا، مما أدى إلى تبادلات ثقافية ومعارض في فرنسا وإسبانيا ودول الخليج. كما نظمت جاليات المغاربة في أوروبا فعاليات على طراز الفانتازيا، مقدمةً هذا التقليد لجمهور جديد.
علاوة على ذلك، ألهمت التبوريدة أشكالًا مختلفة من التعبير الفني:
- الفنون البصرية: يلتقط الرسامون والمصورون دراما سباق الخيل وأناقة الخيول.
- الموسيقى: أثّرت الإيقاعات والأناشيد التقليدية المرتبطة بالتبوريدة على أنواع الموسيقى الشعبية المغربية وموسيقى الدمج.
- الأزياء: يُدمج المصممون زخارف الفروسية والأنماط القبلية في الأزياء المغربية المعاصرة.
ومع استمرار المغرب في التحديث، تظل التبوريدة رمزًا فخورًا لتراثه. يُذكّر هذا العمل المغاربة والعالم بقيم البلاد الراسخة: الشجاعة، والوحدة، وتبجيل الخيل.
