في قلب الدرعية الذهبي — مهد الدولة السعودية الأولى، وأحد أغنى المواقع الثقافية في العالم العربي — يرتفع معلم جديد من رمال الصحراء. دار الأوبرا الملكية، التي صممتها شركة Snøhetta النرويجية الشهيرة، هي أكثر من مجرد أعجوبة معمارية؛ إنها حوار بين الماضي والمستقبل، والتراث والابتكار، والأرض والضوء. من المقرر افتتاح دار الأوبرا في عام 2028، وهي تجسد روح أمة تعيد تصور هويتها من خلال الثقافة.
تحتل الدرعية، وهي موقع مدرج على قائمة اليونسكو على أطراف الرياض، مكانة خاصة في ذاكرة السعوديين. كانت الدرعية في القرن الثامن عشر مقرًا لأول سلالة سعودية، وقد بُنيت على طول وادي حنيفة، وهو وادي خصب كانت مياهه تغذي الحياة والتجارة في الصحراء. لا تزال أبراج المدينة المبنية من الطوب اللبن وأزقة الطريف المظللة تهمس بذكرى عصر كانت فيه الثقافة والإيمان متشابكين بشكل سلس مع البيئة.
قراءة مقترحة
تقوم فلسفة الشركة المصممة على الاستلهام من البيئة. المشهد من حي الطُريف في الدرعية
الآن، بعد قرون، تولد الدرعية من جديد كوجهة ثقافية عالمية - وهي محور خطة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتنويع اقتصاد البلاد من خلال التراث والسياحة والفنون. تقف دار الأوبرا الملكي في قلب هذه النهضة: رمز ثقافي معاصر متجذر بعمق في إيقاعات الصحراء.
يستلهم تصميم Snøhetta لغة الصحراء النجدية، الهندسة المعمارية الأصلية في وسط شبه الجزيرة العربية. يبدو شكله وكأنه ينبثق بشكل طبيعي من الأرض، كما لو شكلته قرون من الرياح والشمس. يتكون المجمع من مجموعات مترابطة - سلسلة من الكتل النحتية التي تشبه الوديان المتآكلة أو قيعان الأنهار المتشققة. هذه الهياكل ليست مباني منعزلة بل أجزاء من منظر طبيعي أكبر - تندمج وتظلل وتؤوي مثل القرى القديمة.
الواجهات المزينة بأنماط هندسية مستوحاة من الحرف المحلية، مزخرفة وذات ألوان دافئة، وتعكس الطين والحجر في المنازل التاريخية في الدرعية. يتسلل الضوء الطبيعي عبر الممرات الضيقة والساحات، ما يخلق تفاعلًا بين الظل والضوء — استجابة شعرية لشمس الصحراء.
تمتد دار الأوبرا الملكية في الدرعية على مساحة تقارب 46,000 متر مربع، وهي مصممة لتكون مكانًا للعروض الفنية ومكانًا للتجمعات العامة. توفر قاعاتها الأربع الرئيسية مرونة وحجمًا غير مسبوقين في المملكة:
• مسرح أوبرا كبير يتسع لـ 2,000 مقعد، مجهز لاستضافة الإنتاجات الدولية الكبيرة.
• مسرحان متعددا الاستخدامات يتسعان لـ 450 مقعدًا، قابلان للتكيف مع الحفلات الموسيقية الأوركسترالية والعروض المحلية والمؤتمرات.
• مدرج على السطح يتسع لـ 450 مقعدًا، مفتوح على سماء الصحراء، ما يتيح للجمهور الاستمتاع بالموسيقى تحت النجوم.
ستضم الدار مسرح أوبرا يتسع لألفي مقعد
بالإضافة إلى ذلك، ستضم دار الأوبرا مساحات للتدريبات، واستوديوهات للفنانين، ومعارض، ومقاهي، وساحات عامة مظللة تدعو المجتمع المحلي إلى البقاء حتى خارج ساعات العروض. إنه تصميم يولي الأولوية لسهولة الوصول والاستمرارية، ما يسمح للفن والحياة اليومية بالاندماج بشكل طبيعي.
يكمن في صميم المشروع مفهوم الواحة - ليس فقط كشكل بصري، بل كمبدأ توجيهي. تخلق المساحات المترابطة في دار الأوبرا مناخات محلية صغيرة من خلال التظليل الطبيعي وتدفق الهواء والنباتات. تزهر الحدائق بين الجدران، وتتلألأ عناصر المياه في الضوء، وتبرد النباتات الصحراوية المحلية الساحات.
هذه الواحة لا تفرض نفسها على المناظر الطبيعية، بل تستمد منها. تقلل المواد المحلية مثل الحجر الجيري وخشب النخيل والمركبات الأرضية من الأثر البيئي وتجعل المبنى متجذرًا في سياقه. حتى التصميم الصوتي، الذي تم تطويره بالتعاون مع مستشارين مسرحيين دوليين، مستلهَم من الأشكال الطبيعية — ما يضمن اندماج أصوات الأوركسترا والأوبرا بسلاسة مع البيئة المحيطة.
سترفع الستارة عام 2028
الاستدامة ليست أمراً ثانوياً في التصميم، بل إنها تنبع بشكل طبيعي. تمت إضافة أنظمة حديثة مثل الألواح الشمسية وإعادة تدوير المياه الرمادية والتبريد السلبي إلى هذا التراث، ما يجعل المبنى متطورًا ومحترمًا للبيئة المحلية. يدمج المشروع أيضًا مسارات للمشاة وتصميمًا للمناظر الطبيعية يتصلان بالخطة الرئيسية الأوسع للدرعية - ما يضمن أن دار الأوبرا ليست نصبًا تذكاريًا معزولًا، بل جزء حي من النظام البيئي للمدينة.
يشجع تصميم دار الأوبرا على تقديم عروض تتجاوز المسارح التقليدية. فالمسرح الخارجي والساحات الخارجية يمحيان الحدود بين العروض الرسمية وغير الرسمية. يمكن أن تتعايش المهرجانات والمقيمين الموسيقيين والمسرح المجتمعي مع الأوبرا والسمفونيات الدولية الكبرى.
إنه مسرح لجميع السعوديين - مساحة يمكن للفنانين من الرياض إلى العلا التعاون فيها، وحيث يمكن أن يلتقي صوت العود مع الأوركسترا السيمفونية. تعزز هذه الشمولية هدف رؤية 2030 المتمثل في جعل الثقافة والإبداع في متناول جميع المواطنين.
عند اكتمالها، ستكون دار الأوبرا الملكية في الدرعية أحد أكثر مراكز الفنون المسرحية تقدمًا في الشرق الأوسط. وستنضمّ إلى موجة من المشاريع الثقافية السعودية الطموحة - من مسرح الملك سلمان بارك إلى قاعة ماريا للحفلات الموسيقية في العلا - وكلها جزء من جهد أوسع نطاقًا لدمج الفن والعمارة في النسيج الوطني.
ولكن على عكس العديد من الرموز الثقافية المستقبلية، تجد دار الأوبرا في الدرعية قوتها في ضبط النفس. فهي لا تسعى إلى السيطرة على المشهد بمظهرها المذهل، بل تندمج معه، لتعكس تواضع وقوة التقاليد النجدية. وبذلك، تضع معيارًا معماريًا وثقافيًا جديدًا — معيارًا يتحدث بهدوء، لكنه يتردد صداه بعمق.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن دار الأوبرا الملكية في الدرعية هي أكثر من مجرد مبنى — إنها بيان ثقافي. فهي تمثل استثمار المملكة المتزايد في الفنون كجسر بين التراث المحلي والإبداع العالمي. وعندما تفتح دار الأوبرا الملكية في الدرعية أبوابها، لن يكون العرض الأول مجرد أوبرا — بل سيكون صوت أمة تجد إيقاعًا جديدًا. وسيقف المبنى نفسه، الذي يرتفع من الرمال المضاءة بنور الشمس، كمعبد للفن وكقصيدة حية لأرضه.
هنا، في قلب الصحراء، تتلاقى الموسيقى والعمارة لتروي قصة خالدة: أن الجمال، عندما يرتكز على التقاليد وينفتح على المستقبل، يمكن أن يزهر حتى في التربة الأكثر جفافاً — ويستمر، مثل الدرعية نفسها، لأجيال قادمة.
