في إيران، الرياضة أكثر من مجرد تسلية. إنها نسيج من التاريخ والفخر الوطني والهوية الثقافية — حيث تتعايش التقاليد القديمة مع الشغف الحديث النابض بالحياة. من الأرضيّات المغبرّة للصالات الرياضية التقليدية إلى الملاعب الصاخبة في طهران، نقدّم في هذه المقالة لمحة عمّا يحب الإيرانيون لعبه ومشاهدته.
ليس من المستغرب أن كرة القدم تحتلّ الصدارة في إيران من حيث الشعبية. يحظى المنتخب الوطني (تيم ميلي بالفارسيّة)، بمتابعة وفيّة من الجميع. وقد تأهلت إيران لبطولة كأس العالم لكرة القدم عدة مرات، ما جعل كرة القدم مصدرًا رئيسيًا للفخر الوطني. على مستوى الأندية، تغذّي المنافسات التاريخية الشغف. تهيمن فرق مثل بيرسيبوليس واستقلال على مشهد كرة القدم في طهران، ومباريات الديربي بينهما أكثر من مجرد رياضة — إنها أحداث اجتماعية.
قراءة مقترحة
بالنسبة للعديد من الإيرانيين، كرة القدم جزء لا يتجزأ من حياتهم منذ صغرهم: فهي تُلعب في المدارس والمتنزهات والشوارع.
إذا كان كرة القدم هي نبض إيران الحديثة، فإن المصارعة هي روحها. تُعرف المصارعة محليًا باسم كوشتي، ولها جذور قديمة وصدى ثقافي عميق. فرياضة ورزش-إي بهلواني، التي تُترجم غالبًا إلى ”رياضة الأبطال“، هي بين التدريب البدني والتنمية الأخلاقية والموسيقى التقليدية. تُقام هذه الجلسات في الزورخانات (”بيوت القوة“). وهذا التقليد ليس مجرد رياضة، إنه روحانية. يتدرب الرياضيون باستخدام المضارب والأوزان ويقومون بحركات رشيقة، كل ذلك أثناء أداء ترانيم طقسية. وقد صنفتها اليونسكو في قائمة تراثها المعنوي.
المصارعة الحديثة هي أيضًا الرياضة الوطنية الإيرانية بالمعنى التنافسي الحديث: فقد أنتجت البلاد أبطالًا أولمبيين ونجومًا عالميين.
المصارعة الإيرانية – زورخانه
رياضة القوة الأخرى المحبوبة بشدة في إيران هي رفع الأثقال. وقد حقق الربّاعون الإيرانيون أداءً جيدًا على الصعيد الدولي على مر التاريخ، وحصدوا ميداليات ذهبية أولمبية وسجلوا أرقامًا قياسية.
تتوافق هذه الرياضة مع الإعجاب الثقافي الأوسع في إيران بالمثابرة والانضباط والقوة الشخصية.
حصد الرباعون الإيرانيون جوائز عالمية
على مدى العقود القليلة الماضية، ازدادت شعبية الكرة الطائرة، وأصبح المنتخب الإيراني للكرة الطائرة قادرًا على المنافسة دوليًا، ما رفع مكانة هذه الرياضة محليًا.
تعد الكرة الطائرة أيضًا عنصرًا ثقافيًا أساسيًا: حيث تمارَس في الصالات الرياضية في جميع أنحاء البلاد، وتشاهَد في الملاعب الكبرى.
يزداد بروز السيدات في الكرة الطائرة، إذ تشكّلن نسبة كبيرة من الرياضيين المنظمين في رياضات مثل الكرة الطائرة والجمباز.
تتمتع إيران بتقاليد قوية في فنون الدفاع عن النفس، وخاصة التايكواندو والكاراتيه وغيرها من الرياضات القتالية. يحظى التايكواندو بشعبية خاصة، وغالبًا ما يتنافس الرياضيون الإيرانيون على أعلى المستويات الدولية.
تتوافق هذه الرياضات بشكل جيد مع القيم الإيرانية المتعلقة بالانضباط والقوة والشرف الشخصي، وهي سمات يتم الاحتفاء بها أيضًا في المصارعة والرياضة التقليدية.
بعض الرياضات الأكثر شعبية في إيران متجذرة بعمق في تاريخها: البولو مثلًا له أصول فارسية. يعود تاريخ هذه اللعبة إلى قرون مضت ولا تزال تُمارس حتى اليوم. وهناك ألعاب شعبية أخرى كالرماية وألعاب الفروسية والمسابقات القائمة على القوة، وهي تشكل أيضًا جزءًا من تاريخ الرياضة التقليدية في إيران.
بفضل التضاريس المتنوعة في إيران — من جبال ألبرز شمال طهران، التي يتجاوز ارتفاع أعلى قمة فيها 5600 متر، إلى المناظر الطبيعية الوعرة — تحظى الرياضات الخارجية بشعبية كبيرة أيضًا.
تجذب منتجعات التزلج مثل ديزين وتوشال، بالقرب من طهران، عشاق الرياضات الشتوية. كما تعدّ رياضات المشي لمسافات طويلة وتسلق الجبال من الأنشطة الشائعة في عطلات نهاية الأسبوع، خاصة بين الأجيال الشابة التي تبحث عن الطبيعة والتحدي.
محطة في جبال ألبرز
هناك بعض الرياضات الأقل شهرة التي تشهد نمواً في إيران:
• كرة الصالات: تحظى كرة القدم الداخلية بشعبية كبيرة وغالباً ما تُمارس في المدارس أو البيئات الحضرية.
• كرة السلة: على الرغم من أنها لا تحظى بنفس شعبية كرة القدم أو المصارعة، إلا أن كرة السلة تحظى بشعبية متزايدة.
• الرجبي: تزداد شعبية الرجبي، خاصة بين الشباب.
من الرياضات الناشئة: بي إم إكس
• الهوية الثقافية: الرياضات التقليدية مثل المصارعة والزورخانة لا تختبر القوة البدنية فحسب، بل تحمل قيمًا أخلاقية وروحية.
• الفخر الوطني: النجاح في الألعاب الأولمبية والمسابقات الدولية (خاصة في المصارعة ورفع الأثقال) يغذي الفخر الوطني.
• مساحة للشباب والوحدة: الرياضات الجماعية الحديثة مثل كرة القدم والكرة الطائرة توفر أرضية مشتركة للشباب الإيراني.
• القوة الناعمة والدبلوماسية: تعمل الرياضة كجسر بين إيران والمجتمع الدولي، حيث تعرض المواهب والتقاليد.
• البنية التحتية: في حين تفتخر مدن مثل طهران بمرافق رياضية عالمية المستوى، قد تفتقر المناطق الريفية إلى الوصول إليها.
• الحواجز بين الجنسين: من الضروري زيادة مشاركة النساء، لكن الإصلاحات الثقافية والقانونية لا تزال متأخرة.
• التوازن بين التقاليد والحداثة: الحفاظ على الرياضات التراثية، مع الترويج لمزيد من الرياضات المعترف بها عالمياً مطلوب.
• مشاركة الشباب: مع وجود عدد كبير من الشباب، فإن الحفاظ على الاهتمام بالرياضة يتطلب الاستثمار في البرامج الشعبية، خاصة في المناطق المحرومة.
في إيران، الرياضة هي مرآة للمجتمع نفسه — قديم وحديث، جماعي وشخصي، روحي وجسدي. سواء كان ذلك في روعة طقوس الزورخانة، أو صخب ملعب كرة القدم المكتظ، أو رفع الأثقال المنضبط لربّاعين من الطراز العالمي، فإن الرياضات الأكثر شعبية في إيران تعكس جذورًا ثقافية عميقة وروح وطنية متطورة.
بينما تواصل إيران دفع نفسها على الساحة العالمية، يظل قلبها الرياضي مرتبطًا بالتقاليد، ليس فقط للعب، ولكن للحفاظ على التراث، والإلهام، والتوحيد.
